في ظل التراجع الملحوظ في نسبة التضخم في المغرب 2024، دخلت السياسة النقدية مرحلة جديدة من التفاعل الإيجابي مع المؤشرات الاقتصادية. فقد بادر بنك المغرب إلى اتخاذ قرار خفض سعر الفائدة الرئيسي لأول مرة منذ بداية دورة التشديد النقدي، في خطوة تعكس الثقة في استقرار الأسعار وتحسّن التوقعات المستقبلية. ويأتي هذا القرار في وقت يتطلع فيه الاقتصاد الوطني إلى استعادة زخمه، وسط تحولات داخلية وخارجية تؤثر على العرض والطلب، وتفرض تحديات جديدة على صناع القرار المالي. هذا المقال يرصد أبرز القرارات المتخذة من طرف البنك المركزي، ويحلل سياقها وتأثيرها على المشهد الاقتصادي المغربي خلال عام 2024 وما بعده.
نسبة التضخم في المغرب 2024
أعلنت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب عن تراجع نسبة التضخم في المغرب 2024 إلى 2.4%، مقارنة بـ 6.1% في عام 2023 و6.6% في عام 2022، وذلك وفقًا لبيانات مؤشر أسعار المستهلكين. يُعد هذا الانخفاض أحد أبرز التحولات الاقتصادية الإيجابية خلال العام، ويعكس تحسناً ملحوظاً في استقرار الأسعار بعد سنوات من الارتفاع المتواصل.
أسباب انخفاض التضخم
تباطؤ ارتفاع أسعار المواد الغذائية:
كانت أسعار الغذاء المحرك الرئيسي للتضخم في السنوات السابقة، لكنها سجلت في 2024 زيادة طفيفة بنسبة 0.8% فقط، مقارنة بقفزات كبيرة سابقة.
يُعزى هذا التباطؤ إلى تحسن الإمدادات الزراعية وتأثير السياسات الحكومية لدعم القطاع.
استقرار أسعار المواد غير الغذائية:
ارتفعت أسعار السلع غير الغذائية بنسبة 1.2%، وهي نسبة معتدلة مقارنة بالأعوام الماضية.
ساهم انخفاض الضغوط التضخمية العالمية، خاصة في أسعار الطاقة والسلع الصناعية، في هذا الاستقرار.
مقارنة مع السنوات السابقة
2022: بلغ التضخم 6.6% بسبب تداعيات الجفاف وارتفاع أسعار الواردات.
2023: تراجع قليلاً إلى 6.1%، لكنه ظل مرتفعاً بفعل استمرار تأثير العوامل الخارجية.
2024: انخفاض حاد إلى 2.4%، مما يعكس نجاح السياسات النقدية والاقتصادية في كبح جماح التضخم.
التأثيرات الاقتصادية المتوقعة
زيادة القوة الشرائية للمواطنين مع انخفاض ضغوط الأسعار.
تحفيز الاستثمار نتيجة استقرار التوقعات التضخمية.
تخفيف العبء على البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية، خاصة بعد قرار خفض سعر الفائدة.
يُعتبر هذا التراجع في التضخم مؤشراً إيجابياً للاقتصاد المغربي، لكنه لا يخلو من تحديات، لاسيما مع استمرار تأثير العوامل المناخية والتقلبات العالمية في أسعار السلع الأساسية.
قرارات البنك المركزي في مواجهة التضخم في المغرب 2024
في خطوة تهدف إلى مواكبة هذا الانخفاض، قرر بنك المغرب (المصرف المركزي) في ديسمبر 2024 خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس، ليصبح 2.5%. وأوضحت المؤسسة أن هذه الخطوة جاءت تماشيًا مع التوقعات بانخفاض التضخم في المغرب 2024.
وتتوقع السلطات المالية أن يصل متوسط التضخم خلال عام 2024 إلى نحو 1% فقط، على أن يرتفع مجددًا إلى 2.4% في عام 2025. وبالرغم من أن هذه النسبة تُعد منخفضة مقارنة بالأعوام السابقة، فإنها لا تخلو من التحديات المرتبطة بالعرض والطلب، خصوصًا في ظل تقلبات الأسعار العالمية واستمرار تداعيات الجفاف محليًا.
أما من حيث النمو الاقتصادي، فقد سجل الاقتصاد المغربي نموًا قدره 2.4% في 2024، منخفضًا من 3.4% في عام 2023، بسبب استمرار التأثير السلبي للجفاف على القطاع الزراعي. لكن هناك توقعات بتحسن ملحوظ في الأداء الاقتصادي خلال عام 2025، مع إمكانية وصول محصول الحبوب إلى 5 ملايين طن، ما قد يسهم في رفع معدل النمو إلى 5.7%.
الموازنة العامة ومؤشرات العجز في ظل التضخم المنخفض
أعلنت وزارة الاقتصاد والمالية المغربية أن عجز الميزانية في 2024 انخفض إلى 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ4.4% في عام 2023. وبلغ العجز الفعلي 64.4 مليار درهم (نحو 6.46 مليارات دولار)، بانخفاض ملحوظ عن 75 مليار درهم في العام السابق. وأرجعت الوزارة هذا التراجع إلى ارتفاع الإيرادات الضريبية بنسبة 15.2%.
كما أفادت الوزارة بأن الخزينة العامة استفادت من أكثر من ستة مليارات درهم نتيجة تنفيذ برنامج العفو الضريبي في ديسمبر 2024، إلى جانب ضخ 125 مليار درهم في النظام المصرفي. هذه السياسات ساهمت في تغطية النفقات العامة، والتي ارتفعت بنسبة 5.7%، بسبب الزيادات في الرواتب، والاستثمار العمومي، ودعم الشركة الوطنية للكهرباء، إضافة إلى تمويل الإجراءات الاجتماعية الهادفة إلى تخفيف أثر التضخم ومعالجة آثار الجفاف.
أداء القطاعات الحيوية: السياحة كمحرك اقتصادي صاعد
في موازاة تراجع التضخم في المغرب 2024، شهد قطاع السياحة المغربي انتعاشًا غير مسبوق، حيث تجاوزت عائداته 11 مليار دولار للمرة الأولى في تاريخ المملكة. وأعلنت وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور عن استقبال البلاد 17.4 مليون سائح خلال 2024، بزيادة بلغت 20% مقارنة مع عام 2023.
ساهم هذا القطاع في خلق 827 ألف فرصة عمل، بزيادة 25 ألف وظيفة عن العام السابق، مما يعزز مكانة السياحة كمصدر مهم للعملة الصعبة وثاني أكبر قطاع من حيث العائدات، بعد تحويلات المغتربين. وأشارت الوزيرة إلى أن المغرب بات أول وجهة سياحية في أفريقيا خلال 2024، بفضل استعداده لتنظيم فعاليات كبرى مثل كأس أمم أفريقيا 2025 وكأس العالم 2030.
خاتمة: مستقبل التضخم في المغرب 2024 وآفاقه
يبشر تراجع التضخم في المغرب 2024 بتحولات اقتصادية إيجابية يمكن البناء عليها في السنوات المقبلة، لا سيما في ظل التوقعات بتحسن القطاع الزراعي، وزيادة الإنفاق الاستثماري، وارتفاع الإيرادات العامة. ومع ذلك، فإن استمرار هذه الدينامية الإيجابية مرهون بقدرة المغرب على التحكم في العوامل الخارجية، مثل تقلبات الأسواق العالمية وأسعار الطاقة والغذاء، إلى جانب تحسين البيئة الاستثمارية الداخلية.
وفي الختام، فإن انخفاض التضخم لا يعني بالضرورة زوال التحديات الاقتصادية، لكنه يعكس نجاحًا نسبيًا في السياسات النقدية والمالية التي تم اعتمادها خلال العام. وعلى الحكومة الاستمرار في ضبط التوازن بين دعم الاستهلاك، وتحفيز الاستثمار، وضمان الاستقرار المالي، بما يضمن نموًا شاملًا وعادلًا في المستقبل.
المراجع
https://www.alaraby.co.uk/economy/%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D8%AE%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%88%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A5%D9%84%D9%89-24-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-2024https://ar.tradingeconomics.com/morocco/inflation-cpi